شارك

التسميات

تعديل

تابعونا


تابعونا


الأحد، 19 مارس 2017

الشهيدمحمدالعوني

نص مقالة العميد الركن عدنان الحمادي المنشورة في كتاب،، بطل في قلب العاصفة. .. القائد الشهيد محمد العوني،،
.........


العوني شهيد على عتبات فجر الوطن القادم.... !!!

عميد ركن ـ عدنان الحمادي []


استهلال لا بد منه
إن الكتابة عن رفيق سلاح، وزميل وصديق الرحلة الأخ الشهيد البطل العقيد محمد عبد الله العوني ليست بالأمر السهل.
وكيف لا تكون الكتابة ـــ أو حتى التسجيل الصوتي أو التلفزيوني ـــ صعبة وهي تتأهب لتوثيق بعضا من حياة شخصية استثنائية تنتمي إلى أولئك الكبار الذين يمثلون رزنامة عظماء أوطانهم.
والشهيد العوني أقولها بكل الصوت المسموع استمد عظمته من عظمة مواقفه الوطنية، وأخلاقه العسكرية، والمدنية، وصفاته القيادية والبسيطة المتصالحة مع إنسانيته.
ومواقف وأخلاق وصفات الشهيد لا يكفي لتوثيق تفاصيلها مقالة كبيرة كهذه وإنما كتب وروايات ذلك أن المحطات المختلفة التي مر بها كل واحدة تمثل بحد ذاتها موضوعا مستقلا شكلا ومضمونا باختلاف الأحداث والمتغيرات التي شهدتها اليمن وزامنها الشهيد منذ ولادته حتى لحظة استشهاده، خصوصا منذ ذلك اليوم الذي درجت أقدامه أرضية الكلية الحربية من عام 1987 حتى لحظة رحيله ونحن على عتبات فجر اليمن القادم في 19 مارس 2016.
لقد شاءت الأقدار أن أجايل الشهيد زمانا، ومكانا فنحن أبناء جيل واحد، وكثيرا ما جمعتنا ذاتها الأمكنة على مدى الفترة الزمنية التي تقارب الـ (28) سنة تمتنت العلاقة بيننا إلى درجة كبيرة جداً ....
والسطور التالية ليست إلا زخات متناثرة من محطات تلك الرحلة بيني والشهيد أبو صلاح.
***
أتذكر جيدً أن اول لقاء جمعني بالشهيد كان في الكلية الحربية نهاية العام 1987م الذي تخرجت فيه من الكلية الحربية، وتزامن مع بداية التحاقه هو بالكلية.
حينها تم توزيعي إلى اللواء الثاني مدرع مستقل الذي هو الأن اللواء 35 مدرع، وتحديدا في شهر 11 / 87 بينما واصل الشهيد العوني دراسته بالكلية الحربية ضمن الدفعة التي صادف تخرجها عام الوحدة اليمنية 1990 وتم توزيعه إلى اللواء الثاني مدرع مستقل، ويطلق على الأخير بهذا الاسم لتمييزه عن لواء أخر يحمل نفس الاسم، والفرق بينهما أن اللواء الثاني مدرع مستقل يتبع رئاسة هيئة الأركان بينما الأخر يتبع الفرقة الأولى مدرع.
ومنذ قدوم العوني عام 1990 للواء الثاني مدرع مستقل يكون قد عاش وتعايش مع أهم التحولات التي مر بها اللواء 35 مدرع.
***
وإن أنسى فلن أنسى حادثة انفجار اللغم التي أصيب فيها العوني الحادث المشهور بالكلية الحربية عام ١٩٨٩م.
حيث كان هو ودفعته يدرسون مادة الهندسة كان اللغم الذي يجرون التطبيق العملي عليه على أساس انه لغما هيكليا، بينما كان اللغم لغما حقيقياً، وأثناء إجراء التجربة دوى انفجار كبيرا، استشهد إثر ذلك العديد من زملاء العوني وأصيب العوني بشظية في الرئة وعدد من زملائه اصيبوا باصابات مختلفة.

عندما تخرج من الكلية وتصدر للواء الثاني مدرع مستقل وجدته مازال تعبانا فقصدت مكتب قائد اللواء العميد الركن محمد احمد الشيباني قلت له: العوني مازال مصابا وما هوش حق عمل ميداني ونشتيه يشتغل بعمل اداري.
ـ قال: خليه يشتغل سكرتير القائد.
***
استمر سكرتيرا للقائد مدة عام كامل، بعدها ضاق من الشغل بالمكتب وطلب نقله إلى وحدة قتالية، وانتقل إلى الكتيبة 55 واستمر فيها نائب قائد سرية ثم قائد سرية لفترة من الزمن.

وكان لنا لقاءات مستمرة وكنا نعيش مع بعض، ونجلس مع بعض، وعندما تزوج وسكن في اب بقينا دائماً نلتقي، ونخزن مع بعض ونأكل عنده في البيت، وكانت علاقاته طيبة جداً ممتازة مع جميع رفاق السلاح.
أثناء الوحدة تجمع اللواء الثاني مدرع مستقبل كاملا في محافظة إب في معسكر الحمزة، بقينا معاً حتى حرب صيف 94 حيث انتقل اللواء الثاني مدرع مستقل إلى الضالع ، وانتقل العوني مع الكتيبة 55 إلى منطقة الحبيلين وظل بالكتيبة حتى نهاية شهر أبريل 2015.
***
وتقريبا في 2004 تعين رئيسا لعمليات الكتيبة 55، وبعدها بفترة عين رئيس اركان الكتيبة، وانتقلت الكتيبة إلى صعدة.
وبعد عام تقريبا وبسبب غياب قائد الكتيبة تم تعين العقيد العوني قائد للكتيبة أثناء الحرب السادسة واستمر في صعدة حتى أيام ثورة فبراير 2011، ورجع قبل عودة الكتيبة في 2013 الى تعز، وكان قائد اللواء العميد الركن يوسف الشراجي وعاد هو من صعدة اولاً قبل أن يأتوا الافراد.
وكان في هذه الكتيبة أسلحة وكان ممنوع خروجها، أو نقلها من صعدة، واستطاع العوني أن ينقل اغلب الأسلحة من صعدة بواسطة مهربين إلى معسكر اللواء 35 في المطار القديم تعز.
نقل كل الأسلحة التي كانت هناك وبعد ما سحب الأسلحة سحب الافراد إلى معسكر المطار القديم وبعدين دمجت الكتيبة 55 مع الكتيبة 62 تحت تسمية الكتيبة 62 والغيت الكتيبة 55 وتعين محمد عبد الله العوني قائد الكتيبة 62 في المطار القديم.
استمر قائدا لها طوال الفترة 2014 التي سبقت انقلاب المليشيات الانقلابية إلى أن غادر العميد الركن يوسف الشراجي، وأتى بعده العميد منصور معيجر الذي كان على صلة بالمخلوع، وجماعة الحوثي.
***
وكان هنالك تنافرا بين معيجر والعوني.
ولأن العوني كان شخصية قوية وشجاعة والناس ملتفة حوله وتحبه كثيرا فغالبا ما كانت تلك الصفات تثير حفيظة معيجر وتجعله يصيح من العوني دائماً يظل يكرر بكل صوته:
(هذا العوني ما معه يريد يعمل مشاكل في الطابور ... وهنا وهناك وفي أي مكان).
محمد العوني طيلة الفترة التي عاشها في المواقع وفي مختلف الجبهات وفي مختلف المهام كان رجلا شجاعا... رجل ذو اخلاق وكرم وطيبة.
كان يمتاز بصفات حميدة كثيرة.
***
لقد تجلت كافة السمات القيادية في شخصية العوني في كثير مواقف أهمها مواقفها في صعدة، وأيضاً تعامله في الميدان، وتعامله مع القيادة، كان واضحا وناضجا في جل مواقفه.
خلال فترة دخول المليشيات الانقلابية إلى تعز كان للشهيد موقفا صلبا وقويا.
وكان أول لقائي بالكتيبة 62 عبر قائدها الشهيد العوني.
وتكتسب هذه الكتيبة أهميتها في كونها الكتيبة الأساس في هذه الفترة للواء 35 مدرع فهي الكتيبة المكتملة بين كتائب المشاة الموجودة في المطار.
عند التقائي بالقائد العوني دار بيننا الحديث التالي:
قلت له: أكيد عرفت أنني تعينت قائدا للواء، وسئلته فما رأيك يا اخي؟
وبموقف القائد الحقيقي تريث منتظرا اكتمال حديثي معه لذا استتليت مواصلاً:
ـــ نحن من أبناء تعز.
هنا قاطعني بثقة القائد من موقفه قائلاً:
ــ سنفدي تعز بأرواحنا، ولا يمكن أن نسمح للمليشيات الانقلابية أن تطئها، وسنكون أول من يواجهها.
***
وكلفته يسير يجيب لي بوكلين، وراح يجيب البوكلين، وبدأنا بحفر الخنادق حتى أنه اتصل بي قائد المحور السابق لتعز العميد الركن علي مسعد وقال لي:
ـــ يا حمادي بتعمل خط (برليف)... ليش تخندق داخل المطار؟
ـــ قلت له: حماية للمعسكر من البرد من أي شيء، (ذاكم الخُبرة) يعملوا (شكائر) رملية وخنادق بالأمن المركزي (يقصد الحوثيين)، وبمكان فلان الحوثة يخندقوا بالجبال المحيطة باللواء 35 وأنت زعلان ليش اعمل خنادق داخل اللواء؟، وليش نعمل تحصينات ونجهز مواقع داخل اللواء في مقر اللواء في مربع اللواء؟

فهذا اعطانا حماس كثير جهزنا الخنادق وبدأنا في تجهيز السلاح وتوزيعه في أماكن محددة فكان الشهيد العوني أكثر حركة وأكثر نشاط فكان طول اليوم وهو يدور على المواقع والنقاط العسكرية في كل المربعات التي يتواجد فيها اللواء 35 مدرع.

 أول مواجهة كانت لنا مع الحوثة بمدينة تعز كانت بقيادة العقيد محمد عبد الله العوني في منطقة الزنقل إلى وادي القاضي بعد التي حصل في جولة المرور الحدث الثاني وكان هو في الاشتباك واصيبوا من المرافقين حقه ونجى هو من قذيفة صاروخ على الطقم التي كان فيه وبعدها شارك في ترتيب الأوضاع في منطقة الستين.
***

ثمة قرار اتخذته وأعلنته أمام الذين كانوا متواجدين أثناء المعركة باعتباري قائداً للواء خلاصة القرار: أنه إذا قدر الله واستشهدت فإن العقيد محمد عبد الله العوني هو القائد للواء 35 مدرع خلف لي.
لذلك كنت أحاول في معظم الأوقات منعه من الخروج خصوصا بعد نجاته من حادثة الزنقل، وقلت له ما نشتيش اللواء يبقي دون قيادة.

لقد أقدمت على اتخاذ ذلك القرار لأنه ليس ثمة شخصية مؤهلة حينها يمكنها قيادة اللواء سوى العوني.
***

معركة المطار أسجلها للتاريخ بأن الشهيد العوني كان اخر القادة العسكريين مغادرة معسكر المطار.
لقد كانت اخر لحظات عشتها قبل مغادرة المطار مع الشهيد محمد عبد الله العوني بعد أن أعطيته أمر الانسحاب قائلاً له:
ـــ تبدأ بانسحاب منظم أولا تسحب القادة والافراد والضباط انسحابا منظما حتى نؤمن سلامة خروج كل القيادات وكل الضباط والافراد.
اتفقنا أن يبدأ الانسحاب بعد الفجر الساعة 6 صباحا.
وعند الساعة السابعة ونصف التف حولي مجموعة من الصف والافراد وقاموا بخلع بدلتي العسكرية وقالوا لي نحن قاتلنا معك بشرف وضحينا حتى آخر لحظة، وبقائك يعني قتلك أو أسرك وهذه هزيمة لنا ونحن نريدك ألا تتخلى عن هذا النصر وهذه التضحيات وتجمع حوالي 30 إلى 40 فرد في قطاع المهندسين وقاموا بتامين خروجي بالنيران لحظتها كان الانقلابين قد سيطروا على ثلثي المعسكر وغادرت من قطاع المهندسين أما العوني فقد غادر بعدي.

كنت قلقا على ابنه صلاح الذي كان قد أصيب في المعركة، وفي الصباح اتصل بي المقدم الركن عبد الجبار السورقي) يبلغني أن ابن العوني أصيب إصابة خطيرة ونزف كثيرا، وتم اسعافه.
لقد كان شجاعا بل بطل معركة تلك الليلة الأسطورية... بقيت وهو في تلك الليلة دونما نفترق حتى الساعة الرابعة فجرا ... كنا نتنقل من خندق إلى خندق، وأتذكر انه ليلتئذ أبلغني قائلاً:
ـــ يا فندم افرادي يتقاتلوا فيما بينهم؟
ـــ سألته: له كيف؟
ـــ أجاب: الذين بالخلف يرموا على الذين بالأمام ... يقصد الذين بالخندق الخلفي يرموا على الخندق الامام.
ـــ فقلت له: يا عوني العدو اخترق الخندق الامامي والأن يرمي على الخندق الباقي في الخندق الأول من جهة الخلف.
حينها تحركنا معا بعربة مدرعة لنستطلع الموقف، وفعلاً كان ما توقعته دقيقا... شاهدنا جثث كثيرة للعدو وشاهدنا ايضاً المكان.
كان العوني يضرب على راسه، ويقول الله المقدم أمين علي سعيد ما عاد يجاوب بتلفونه، ولا أدرى هل اسروه أو أستشهد؟
بعد لحظات أتانا جنديا، وقال ان الفندم المقدم أمين استشهد في الخندق الأول، ولم نستطع الوصول الى عنده بالخندق فقد كان الحوثة بالخندق الثاني.
استمرينا حتى بزغ قليلاً ضوء ذلك النهار، وانفصلت عنه قائلا له ً"سأشوف البوابة قد يكون هناك اختراقا، وكان اخر اتصاله بي ذلك اليوم بعد مغادرة اللواء ووصوله إلى حارة خلف نادي الصقر واتصل بي ليطمئن علي ويطمئنني فقال:
ـــــ انا في مكان امن، وأنت؟
ـــــ أجبته: أنا في مكان لا أدري أهو أمن او غير امن فانا في عبر سيل.
ـــــ قال: سأتي إليك.
 قلت له: لا.
***
انتهت معركة سقوط المطار، وافترقنا ولكن التواصل بيننا استمر عبر التلفون.
وكانت الفكرة التي لازمتني لفترة من الوقت أن أعيد ترتيب اللواء 35 في مديرية شرعب السلام على أساس اننا هناك سنتمكن من استدعاء الافراد من محافظة إب وجمعهم في شرعب السلام، وعلى أن يكون العوني هناك القائد الميداني.
وكان التواصل معه على هذا الأساس ولكن وقفت أمامنا صعوبات، واتفقت مع الشهيد العوني أن يجهز كتيبة من شرعب، وبالفعل جهزها، وبقيا علينا ان نرسل له بذخائر واسلحة.
وجاء رده بأن الأسلحة موجودة قال:
ـــ انا اشتي ذخائر فقط.
وانه سياتي الى تعز من شرعب باتجاه الستين.
***
كانت سمعة القائد قد أَوصلتُها إلى أسماع قيادات التحالف العربي، ومن أنه يعد أحد القادة البارزين في اللواء 35 في معركة المطار.
استمروا يسألوا عنه ويطرحوا مقترحات:
ـــ هل تستطيع إخراجه من شرعب إلى عندك؟
ـــ لماذا لا يكون الرجل الثاني بعدك؟
بدوري لم أتوان من تقديمه لهم بالإشادة بمناقبه القيادية للقائد السعودي العقيد الركن عبد الله السهيان، والقائد الاماراتي العميد الركن ناصر المشبب إلى ان التقيت بفخامة الأخ رئيس الجمهورية المشير عبده ربه منصور هادي في لقاء ضم قيادات تعز العسكريين وقيادات المقاومة.
بعد انتهاء الاجتماع قطعت قصاصة من ورقة صغيرة، وسجلت عليه "العقيد محمد عبد الله العوني" أحد ابطال اللواء 35 قائد الكتيبة التي صمدت إلى جانبي، ومن الذين أبلوا بلاء حسنا في معركة المطار القديم، أرجو إصدار قرارا له بتعيينه رئيس أركان اللواء 35 مدرع.
ــــ قال الرئيس: اعمل له قرار جمهوري اليوم الآن... وكان كلامه موجهاً لمدير مكتبه محمد مارم.
وصدر قرار جمهوري بتعينه رئيس اركان اللواء.
وتوا اتصلت بالعقيد العوني قلت له:
ــــ نشتيك ترتب حالك وتغادر المنطقة وتأتي إلى عندي.
ومباشرة سافر إليا وقطع حوالي 18 او 20 ساعة من شرعب حتى وصل مفرق يفرس.
***
عندما وصل العوني الينا كنا نخوض ضد العدو معاركا شرسة في المسراخ فكان له شرف الاسهام في معركة تحريرها.
كان بالنسبة لي وللواء 35 مدرع الذراع اليمين، ورأس السهم الذي يصيب ولا يخيب.
إنه من خيرة القادة في جل المهام التي تسند إليه، تجده في المكتب قائدا، وفي الميدان رجلا شجاعا... رجل وطني ... رجل مخلص لقضيته... يحب تعز كثيراً، ويؤمن أن المخلوع، والمليشيات الانقلابية ليست سوى جماعة خارجة عن القانون ... جماعة أتت من كهوف التاريخ لتقتل، وتدمر، وتذل الناس، وتحكم بالقوة.
كان يرى مناظر قتل الأطفال، ويتأثر تأثيرا كبيرا فيقول" يا خبرة ايش نعمل بهذه الحياة وهؤلاء الناس يذبحونا، ويقتلونا ونحن ساكتين"، وكان يكرر دوما "يا ناس سنخرج بالحجار والعصيان ما نشتيش لا سلاح، ولا ذخيرة ... شوفوا كيف يقتلوا اطفالكم؟
رحمة الله عليه كان رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى الرجولة.
***
قبل أسبوع من استشهاده رحمة الله عليه قدم إليا في البيت ولن أنسى ما حييت موقفه الذي كان طريفا لحظتئذ، ولكنها صار ممزوجا بمرارة الفقد الذي كلما تذكرته لا أملك إلا أن أمسك أعصابي من الانهيار.
كان الغداء دجاجا فعلق بابتسامته التي قلما تفارقني قائلاً:
ــــ يا اخي انا أجيتك اشتي اودعك، وأنت تؤكلني دجاجا ....
 فأرسلت دون علمه أحد المرافقين ليأتي بوصلتين لحم من المطعم.
ــــ قال ايوه ما ذا الحين حتى لا توادعنا قد هو وداع على اللحمة مش على دجاج هذا
***
اخر موقف بيني والشهيد القائد أبو صلاح قبل استشهاده بيوم واحد، وبقينا نتواصل معا في معركة المطار حتى الفجر، وتحديدا حتى الساعة خمس بعد الصلاة قلت له:
ــــ خلاص ذا الحين انا شاسير ارقد قليل، وانت عندك قوارح ما شتعرفش ترقد استمر راقب الوضع كيف سيكون، وإذا هدأت الدنيا سير نام لك.
ـــــ قال خلاص مع السلامة.
كانت الساعة حوالي السادسة صباحا حاولت النوم وبعد ساعتين كان قد خرج من المطار ووصل الخيمة، قالوا العوني بالخيمة.
عندما خرجت إليه بادرني بالقول:
ــــ يا فندم قلت له مو جابك شتخلينا نرقد قليل؟
ــــ قال: اجيت اودعك ... والله اننا اجيت اودعك.
ــــ قلت له: يا رجال انت عادك شتقبر الأمة كلها كيف اجيت تودعنا؟
ــــ قال: مدري ما اركنكش.... والله ان قلبي يقول لي هكذا ... يقول لي سير ودع فلان وكذلك اتيتك لترتيب أوضاع فلان وفلان وفلان.
وقمت بحل الإشكاليات التي أطلعني عليها ثم قال لي يريد كذا، وكذا، وبعض الإمكانيات لأشياء معينة، وحليتها له، وهو يبتسم أردف قائلاً:
ــــ ذا الحين مو ارجع بحقي البندق الصيني... مادام قد معانا مجموعة بنادق حصلت عليهن أريد واحد جيتري!
ــــ قلت له: خلاص انا سأرسلك به للمطار.
ــــ قال: والله ما اجزع من عندك إلا به !!! من يحي ومن يموت؟ عادك شتوعدنا لمن تجي انت للمطار.
خرجت معه من البيت إلى معسكر العين للتسليح، وصرفت له الجيتري، والغريب أن الطلقة اللعينة التي اخترقت جسده البطولي كانت طلقة رشاش دوشكا أو قناصة دوشكا انفجرت بالجتري الذي صرفته له اليوم السابق حيث أصابت بندقيته، وأتلفتها، واخترقت شظايا الطلقة جسده، وقد أبلغت أبنه بذلك، وقلت له:
(أرجوك حافظ على هذا للذكرى وإن شاء الله سننقله للمتحف الخاص بتعز الذي سنوثق فيه الملحمة البطولية لاستشهاد البطل العوني، وشهداء تعز).
وكان هذا اللقاء هو أخر لقاء بيننا لم تكد تكتمل الأربعة والعشرين ساعة حتى اتصال أحد الزملاء، وهو يبكي ويقول:
ــــ الأخ محمد العوني أصيب إصابة خطيرة قبل خمس دقائق.
بعده مباشرة اتصل بي شخص اخر يقول:
ــــــ يا فندم الأركان استشهد.
قلت له: الله يرحمه ... انقلوه إلى الثلاجة.
وكانت صدمة قوية لكن هذه القضية وهذا الطريق نحن اخترنا لأنفسنا السير فيها لإيماننا بعدالة قضيتنا، ولا بد من تقبلها.
الفراق صعب جداً لكنها سنة الحياة ... هكذا المناضلين تاريخهم هو من يمجدهم.
الشهيد محمد عبد الله العوني من الابطال الذين كان لهم دورا كبيرا.
لقد نال اعلى درجة وظيفية، اعلى شهيد في تعز.
الشهيد العوني رحمة الله عليه ودعناه بطلا رجلا مناضلا مكافحا مجاهدا لم يعيش حياة الرخاء بل عاش عيشة عادية، ويكفي أن غادرنا دونما يترك لأبنائه سوى بيتا بالإيجار.
رحمة الله عليه، ندعو الله أن يسكنه الجنة، وآنا على دربه سائرين، ورحم الله شهدائنا، وشفى جرحانا، وبعونه تعالى يتحقق النصر الحاسم على المليشيات الانقلابية، وتتحقق الأهداف التي من أجلها ضحى الشهيد القائد العوني، وكل الشهداء من أجل تأسيس، وبناء الدولة الاتحادية، وكذلك تنفيذ محرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وينعم شعبنا بالأمن والاستقرار والعدالة والمساواة والحرية.
ختاماً ... هذا بعض ما جادت به الذاكرة من تاريخ ومسيرة بطل تعز، واليمن الشهيد العوني، وهي أي ما ورد في هذه المادة ليست سوى قطرة من بحر، أو غيض من فيض سفر مناضل رحل ونحن على عتبات فجر الوطن القادم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More