شارك

التسميات

تعديل

تابعونا


تابعونا


الخميس، 8 ديسمبر 2022

تاريخ الدولة الاموية.


 🌲🌾🌴 تاريخ الدولة الأموية  (28)

------------------------------------------------------‐-

🔸️ الولاة في عهد معاوية رضي الله عنه

🔸️ زياد ابن أبيه 

--------------------------------------------------------

حاول معاوية رضي الله عنه طيلة فترة خلافته أن يجعل أسلوب حكمه في وضع بين المركزية واللامركزية. فقد اتخذ من دمشق عاصمة للدولة،  تصدر منها الأوامر السياسية والاقتصادية والإدارية للدولة،


 أما ترتيب أمور الولايات داخلياً فقد ترك معاوية رضي الله عنه للولاة ليقوموا به كل حسب خبرته وجدارته على أن يكونوا جميعاً مسئولين أمام معاوية رضي الله عنه مسئولية مباشرة ومحاسبين على كل عمل يقومون به .


وقد لاحظنا أن معاوية رضي الله عنه لم يعط الحكم المطلق لولاة الأقاليم باستثناء إقليم العراق ، وذلك لما كان يحدث فيها من اضطرابات وفتن أكثر من غيرها، وكان يختار لهذه الولاية ولاة مشهورين بالحزم والشدة، فكان زياد بن أبيه من أشهر ولاة معاوية، أما بقية الولايات فكانت تحكم بطابع الدولة المألوف .


كما حرص معاوية رضي الله عنه على اختيار أعوانه وولاته من ذوي التجارب الواسعة من المسلمين، كعبد الله بن عامر بن كريز، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير الأنصاري، ومسلمة بن مخلد الأنصاري ، وغيرهم.


 ولم تكن المحاباة هي الأساس الأهم والأوحد في انتقاء معاوية لهؤلاء الرجال دون غيرهم وإنما كان كثير منهم ممن خدم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ورأى أن يستفيد بجهودهم ومواهبهم ولاسيما أولئك الذين أظهرتهم أحداث الفتوحات الإسلامية بالشام . 


ونلاحظ أن معاوية استعان بأهل الصحبة والكفاية والولاء ولاة على الأمصار، ومع أن معاوية رضي الله عنه اختار بعض أعوانه من أهل بيته، يوليّهم الولايات إلاّ أنه كان يعاملهم بحذر شديد إلى أن يطمئن لهم، ويقتنع بمقدرتهم الإدارية .


 فقد كان يختارهم أول الأمر لولاية مدن صغيرة كالطائف  مثلاً، فإذا ما أظهر أحدهم مقدرة، إدارية، فإن معاوية ((رضي الله عنه)) يضم إليه مكة لتكون تحت إشرافه ثم يتبعها بالمدينة وعند ذلك يقال: هو قد حذق .


 وغني عن البيان أن الطائف كانت مدينة مهمة في ذلك الوقت حيث تتمركز فيها قبيلة ثقيف ، القوية وأن من يستطيع من الولاة أن يسيطر على الطائف ـ سياسياً واقتصادياً ـ فإن بقية المدن تسهل السيطرة عليها بعد ذلك.


وفي خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تمتع رعايا الدولة من غير المسلمين بمنتهى التسامح والرفق، وحصلوا على امتيازاتهم بسهولة ويسر. 


فقد كانوا يعملون في مختلف الوظائف الحكومية، ذلك أن معاوية رضي الله عنه أبقى على النظم البيزنطية والقبطية التي كان معمولاً بها في الشام ومصر والمغرب. كما أبقى على النظم الفارسية في العراق وخراسان. 


وكان ترك معاوية رضي الله عنه هذه النظم على حالتها بسبب نقص من كانوا يعرفون لغات ونظم إدارة البلاد المفتوحة من المسلمين في أوائل العهد الأموي،

--------------------------------------------------------------------

🔹️ البصرة 


تولى حكم البصرة في عهد معاوية كل من  بسر بن أرطأة رضي الله عنه تولى الولاية عام 41هـ   ثم عزله معاوية لما تعرض لأبناء زياد وعين بدله عبد الله بن عامر : 41 ـ 44هـ : واليا على البصرة، وحرب سجستان ، وخراسان .


 ولم يكن تعيين عبد الله بن عامر على البصرة لأسباب شخصية،  ولكن اختيار معاوية رضي الله عنه له كان نتيجة خبرته السابقة في ولاية البصرة وحرب سجستان وخراسان أيام عثمان .


 وبعد أن مضى ابن عامر ثلاث سنوات تمكن فيها من تثبيت الفتح في سجستان وخراسان واستفاد المسلمون من خبرته العسكرية، ثم دعت الحاجة إلى تغييره، فعزله معاوية وولى الحارث بن عبد الله الأزدي البصرة في أول سنة خمس وأربعين، فأقام بالبصرة أربعة أشهر، ثم عزله وولاها زياداً .

-----------

 🔹️  زياد بن أبيه 45هـ إلى 53هـ:


يعتبر نسب زياد المكنى بأبي المغيرة، من أكثر القضايا غموضاً في حياته، فقد كانت أمه أمة اسمها سمية ، ولم يتفق المؤرخون من هو أبوه وبالتالي هم مختلفون في ذكر نسبه فقد ذُكر اسمه في المصادر، تارة زيادة بن سمية ، وتارة زياد بن عبيد ، ومرة زياد الأمير ، وأخرى زياد بن أبي سفيان ، وفي أغلب الأحيان عرف بابن أبيه ،.


ولد في السنة الهجرية الأولى، في الطائف، أمه سمية كانت جارية عند الحارث بن كلدة الثقفي الطبيب الشهير.


اعتمد على نفسه في تكوين شخصيته وأصبح من خطباء العرب. 


عمل كاتباً لأبي موسى الأشعري ونبغ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وقيل فيه أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول، وقيل أن أبا سفيان بن حرب أقر ببنوته، وقال لأحد الطاعنين فيه: "ويحك، أنا أبوه".


في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب تولى زياد ولاية فارس وكرمان، فلما تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة بعث معاوية يطالبه بالمال، فكتب إليه:"صرفت بعضه في وجه واستودعت بعضه للحاجة إليه وحملت مافضل علي أمير المؤمنين رحمه الله".


فكتب إليه معاوية بالقدوم إليه لينظر في ذلك فامتنع زياد. 


فلما ولى معاوية بسر بن أبي أرطأة على البصرة أمره باستقدام زياد، فجمع بسر أولاد زياد في البصرة وحبسهم وهم عبد الرحمن وعبد الله وعباد وكتب إلى زياد قائلا:"لتقدمن أو لأقتلن بنيك". فامتنع زياد واعتزم بسر على قتلهم. فسار أبوبكرة (وهو أخو زياد لأمه) إلى معاوية. 


فلما قدم عليه قال:"إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال وإن بسرا يريد قتل بني زياد".فأمر معاوية بسر ا بالإفراج عنهم، فأطلق سراحهم. ثم عزل بسرا .


*سنتعرض لمسألة صلحه مع معاوية وإلحاقه بنسبه (لأبي سفيان) فيما بعد إن شاء الله  


في السنة 45 هـ ولاه معاوية البصرة وخراسان وسجستان فقدم البصرة آخر شهر ربيع الأول (سنة 45) والفسق ظاهر فاش فيها فخطبهم خطبته الشهيرة بالبتراء، وإنما قيل لها ذلك لأنه لم يحمد الله فيها .

-------------------

🔹️ خطبة زياد بن أبيه البتراء في البصرة


وقَدِمَ زيادٌ البصرةَ غرةَ جمادى الأولى سنة ٤٥ه واليًا لمعاويةَ بنِ أبي سفيانَ، وضمَّ إليه خراسانَ وسجستانَ، والفسقُ بالبصرةِ كثيرٌ فاشٍ ظاهرٌ، فخطبَ خطبةً بتراءَ لم يحمدِ اللهَ فيها، 

وقيل : بل قال:

الحمدُ للهِ على إفضالِه وإحسانِه، ونسألُه المزيدَ مِن نِعَمِهِ وإكرامِه، اللهم كما زِدْتَنا نِعَمًا فألهمْنَا شكرًا.


أما بعدُ، فإِنَّ الجهالةَ الجهلاءَ، والضَّلالةَ العمياءَ، والغَيَّ المُوَفِّيَ بأهلِه على النارِ ما فيه سفهاؤُكم، ويشتملُ عليه حُلَماؤُكم مِن الأمورِ العظامِ يَنْبُتُ فيها الصغيرُ، ولا يتحاشى عنها الكبيرُ كأنَّكم لم تقرؤوا كتابَ اللهِ ولم تسمعوا ما أَعَدَّ اللهُ مِن الثَّوابِ الكبيرِ لأهلِ طاعتِه، والعذابِ الأليمِ لأهلِ معصيتِه في الزَّمنِ السَرْمَدِيِّ الذي لا يزولُ، 


أتكونون كَمَن طَرَفَتْ عَيْنَيْه الدّنيا، وسَدَّتْ مسامِعَه الشهواتُ، واختارَ الفانيةَ على الباقيةَ، ولا تذكرون أنَّكم أحدثتم في الإسلام الحَدَثَ الذي لم تُسْبَقُوا إليه؛ مِن تَرْكِكُم الضَّعيفَ يُقْهَرُ ويُؤْخَذُ ماله،


 هذه الموَاخيرَ المنصوبةَ والضعيفةَ المسلوبةَ في النهارِ المُبْصِرِ والعَدَدَ غيرُ قليلٍ،


 ألم يكن منكم نُهَاةٌ تَمْنَعُ الغُوَاةَ عن دَلَجِ الليلِ وغَارَةِ النَّهارِ، 


قرَّبتم القرابةَ، وباعدتم الدَّينَ، تعتذرون بغيرِ العُذْرِ، وتُغْضُون على المُخْتَلِسِ، كلُّ امرئٍ منكم يَذُبُّ عن سفيهه صنيعَ مَن لا يخافُ عاقبةً ولا يرجو معادًا، 


ما أنتم بالحلماءِ ولقد اتَّبعتم السفهاءَ، فلم يزلْ بكم ما ترون مِن قيامِكم دونَه حتى انتهكوا حُرَمَ الإسلامِ، ثم أطرقوا وراءَكم كنوسًا في مَكَانِسِ الرَّيبِ، حَرَامٌ عَلَيَّ الطعامُ والشرابُ حتى أُسَوِّيَها بالأرضِ هَدْمًا وإحراقًا.


إِنِّي رأيتَ آخرَ هذا الأمرِ لا يَصْلُحُ إِلاَّ بما صَلُحَ به أَوَّلُه : لِيْنٌ في غيرِ ضَعْفٍ، وشِدَّةٌ في غير عُنْفٍ. 


وإِنِّي أقسمُ بالله لآخُذَنَّ الوَلِيَّ بالمُوْلَى، والمقيمَ بالظَّاعنِ، والمقبلَ بالمدبرِ، والمطيعَ بالعاصِي، والصحيحَ منكم في نفسِه بالسقيمِ حتى يلقيَ الرجلُ منكم أخاه فيقول :انجْ سَعْدٌ فقد هلك سُعَيدٌ، أو تستقيمَ لي قناتُكم.


إِنَّ كَذْبَةَ المنبرِ بَلْقَاءُ مَشْهورةٌ؛ فإذا تَعَلَّقتم عَلَيَّ بِكَذْبَةٍ فقد حَلَّتْ لكم معصيتي، فإذا سَمِعْتُموها مني فاغْتَمِزُوها فِيَّ، واعلموا أنَّ عندي أمثالَها.


مَن نُقِبَ منكم عليه فأنا ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ منه، فإيايَ وَدَلَجَ الليلِ؛ فإِنِّي لا أُوتَى بِمُدْلِجٍ إلاَّ سَفَكْتُ دَمَهُ، وقد أَجَّلْتكم في ذلك بمقدارِ ما يأتي الخبرَ الكوفةُ ويرجعُ إليكم، 


وإيايَ ودعوى الجاهليةِ؛ فإِنِّي لا أجد أحدًا دعا بها إلاَّ قَطَعْتُ لسانَه، 


وقد أحدثتم أحداثًا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنبٍ عقوبةً؛ فَمَن غَرَّقَ قومًا غَرَّقْنَاهُ، ومَن أَحْرَقَ قومًا أَحْرَقْنَاهُ، ومَن نَقَبَ بيتًا نَقَبْنا عن قلبِه، ومَن نَبَشَ قبرًا دَفَنَّاهُ حَيًّا فيه،


 فَكُفُّوا عني أيديَكم وألسنتَكم أَكْفُفْ عنكم يدي ولساني، ولا تَظْهرُ مِن أحدٍ منكم ريبةٍ بخلافِ ما عليه عامّتُكم إلا ضربتُ عنقَه، 


وقد كانت بيني وبين أقوامٍ إِحَنٌ فجعلتَ ذلك دُبَرَ أُذُنِي وتحت قدمي، فمَن كان منكم مُحْسِنًا فليَزْدَدْ إحسانًا، ومَن كان منكم مُسِيئًَا فليَنْزِعْ عن إساءَتِه.


إني لو علمتُ أَنَّ أحدَكم قد قتلَه السُّلُّ مِن بُغْضِي لم أكشفْ له قناعًا، ولم أهتكْ له سِترًا حتى يبديَ لي صفحتَه؛ فإذا فعل ذلك لم أُنَاظِرْهُ، فاستأنفوا أمورَكم، وأعينوا على أنفسِكم، فربَّ مُبْتَئِسٍ بقدومِنا سُيَسَرُّ، ومسرورٍ بقدومنا سَيَبْتَئِسُ.


أيّها الناسُ، إنا أصبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادةً، نسوسُكم بسلطانِ اللهِ الذي أعطانا، ونذودُ عنكم بفيءِ الله الذي خَوَّلَنا، فلنا عليكم السمعُ والطاعةُ فيما أَحْبَبْنا، ولكم علينا العَدْلُ فيما وَلِينا، فاستوجبوا عَدْلَنا وفيئَنا بمناصحتِكم لنا،


 واعلموا أني مهما قَصَّرْتُ عنه فلن أُقَصِّرَ عن ثلاثٍ : لستُ مُحْتَجِبًا عن طالبِ حاجةٍ منكم ولو أتاني طارقًا بليلٍ، ولا حابِسًا عطاءً ولا رِزْقًا عن إبانه، ولا مجمرا لكم بعثًا، 


فادعوا اللهَ بالصلاحِ لأئمَّتِكم؛ فإنهم سَاسَتُكم المُؤَدِّبونَ لكم، وكهفُكم الذي إليه تأوون، ومتى يَصْلُحوا تَصْلُحُوا، ولا تُشْرِبُوا قلوبَكم بغضَهم، فيشتدَّ لذلك غيظُكم، ويطولُ له حُزْنُكم، ولا تُدْرِكُوا له حاجتَكم مع أَنَّه لو استجيبَ لكم فيهم لكان شَرًّا لكم.


أسألُ اللهَ أَنْ يُعِين كُلاًّ على ُكلٍّ، وإذا رأيتموني أُنْفِذُ فيكم الأمرَ فَأَنْفِذُوه على أَذْلالِهِ، وايم اللهِ إِنَّ لي فيكم لَصَرْعَى كَثَيرةً فَلْيَحْذَرْ كلُّ امرئٍ منكم أن يكونَ مِن صَرْعَاي.


فقام إليه عبدُ الله بنُ الأهتمِ، فقال :

أشهدُ أيُّها الأميرُ لقد أُوتيتَ الحكمةَ، وفصلَ الخطابِ.


فقال له : كَذَبْتَ، ذاك نبي اللهِ داودُ صلوات الله عليه.


فقام الأحنفُ بنُ قيسٍ فقال :

إنما الثناءُ بعدَ البلاءِ، والحمدُ بعد العطاءِ، وإنا لن نُثْنِيَ حتى نَبْتَلِيَ.


فقال له زيادٌ : صَدَقْتَ.


فقام أبو بلال مرداسُ بنُ أُدَيَّةَ وهو يَهْمِسُ ويقول :

أنبأنا اللهُ بغيرِ ما قُلْتَ؛ قال الله تعالى { وإبراهيمَ الذي وَفَّى * ألا تَزِرُ وَازِرَةُ وِزْرَ أخرى *وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وأنت تزعمُ أنَّك تأخذ البريءَ بالسقيمِ، والمطيعَ بالعاصي، والمقبلَ بالمدبرِ.


فسَمِعَها زيادٌ، فقالَ :

إنَّا لا نَبْلُغَ ما نريدَ فيك وفي أصحابك حتى نَخوضَ إليكم الباطِلَ خَوْضًا.

------‐----------------------

🔹️ وهذه الخطبة- كما علق الدكتور علي الصلابي عليها - : 

تعتبر من الخطب المشهورة في التاريخ وعلى الرغم من كثرتها وكثرة المصادر التي أوردتها إلا أنها لم تأت بإسناد صحيح يجعل القاريء يطمئن إلى صحة ما ورد فيها، لاسيما أنها تحتوي على مآخذ عديدة، وتناقضات واضحة تقلل من صحة نسبة جميع ما جاء فيها إلى زياد ..


وقد نبه إلى هذه المآخذ والتناقضات الدكتور  خالد الغيث حفظه الله منها :


تحدثت الخطبة عن انتشار الفجور في البصرة وكثرة بيوت الدعارة فيها ، ويستفاد ذلك من قول زياد: .. من ترككم هذه المواخير المنصوبة، قوله: ... حُرِّم عليّ الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً .


 وهذا الكلام المنكر عن حال البصرة عند قدوم زياد، يرده حقيقة ما كانت عليه البصرة منذ تأسيسها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث بنيت لتكون قاعدة تنطلق منها الجيوش الإسلامية لمواصلة الفتح ونشر الإسلام في ربوع البلاد المفتوحة، 


ومن أجل هذه الغاية استوطن البصرة أكثر من خمسين ومائة صحابي، حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى الله وتعليم الناس أمور دينهم، فأنَّى لهذه المنكرات أن تنبت وتنتشر في مجتمع عماده الصحابة والتابعون دون أن ينكروه ويلزموه، 


كذلك فإن وجود الخوارج في البصرة وما عرف عنهم من الاستعجال والاندفاع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل آخر على انتفاء وجود هذه المنكرات في مجتمع البصرة وبالحجم الذي ورد في خطبة زياد .


 ومن التناقضات الواردة في الخطبة : ورد قول زياد: وإياي ودعوى الجاهلية، فإني لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعت لسانه  مع أنه ذكر في موضع آخر من الخطبة نقيض ذلك وهو قوله: وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم .


 وورد في الخطبة قول زياد : إياي ودلج الليل، فإني لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه . لكنه عاد في موضع آخر من الخطبة لينقض ما ذكره آنفاً فقال: لست محتجباً عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقاً بليل . 


وهذه التناقضات الواردة في الخطبة يستغرب صدورها من زياد مع ما عرف عنه من البلاغة والفصاحة، وهذا يقودنا إلى قضية أخرى وهي احتمال كون النص الذي بين أيدينا عن خطبة زياد عند مجيئة إلى البصرة عبارة عن أكثر من خطبة تم دمجها في سياق واحد . 


 ويؤيد ذلك ثناء عبد الله بن الأهتم والأحنف بن قيس على زياد بعد انتهاء الخطبة من أن الخطبة تستوجب النقد وليس الثناء، لما فيها من تقديم حكم الجاهلية على حكم الله .


 وعن الشعبي، قال: ما سمعت متكلماً قد تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفاً أن يسيء إلا زياداً، فإنه كان كلما أكثر كان أجود كلاماً . 


وهذا الثناء من الشعبي على زياد يقوي الشك حول خطبة زياد البتراء التي سبق الحديث عنها في الرواية السابقة .

-----------------------------------‐--------------------------------

🔹️ صلح زياد مع معاوية 


كان زياد بن أبيه والياً على خراسان لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وكان مخلصاً له غاية الإخلاص وحاول معاوية أن يكسب زياد ويضمه إلى صفه في عهد علي رضي الله عنه إلا أنه فشل في ذلك .


وبعد مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وجد معاوية فرصة طيبة لإعادة النظر في مساعيه الهادفة إلى استمالة زياد بأقل التكاليف، واستخدم معاوية لغة التهديد والترغيب مع زياد بقلعة عرفت باسمه فخافه معاوية وهو من أكثر الناس معرفة بصلابته، ..


ولا شك أن اعتصام زياد بفارس مع علمه بأنه الوحيد الذي لم ينزل على حكم معاوية، ويدخل فيما دخل فيه الناس، إنما يدل على ثقته بنفسه أولاً وبإمكانيات إقليم فارس الاقتصادية والبشرية ثانياً، 


إلا أن هذه الأمور وحدها ليست كافية لمواجهة معاوية إذا ما لجأ إلى استخدام القوة، الأمر الذي دفع زياد في المرحلة التالية في علاقته بمعاوية إلى تبديل موقفه الرافض بموقف أكثر إيجابية، 


وبعد صلح الحسن حاول معاوية الاتصال بزياد وسمح للمغيرة بن شعبة أن يتدخل لحل هذا المشكل واستطاع المغيرة بن شعبة أن ينجح في إقناع زياد ببيعة معاوية والدخول في طاعته ..


وكان هذا النجاح من المغيرة من أعظم ما قدمه لمعاوية من خدمات، فقد كان من الصعب على معاوية أن يصل إلى زياد أو يوفق في إخضاعه إلا بعد قتال عنيف، لا يدري أحد من سيكون الرابح في مثل ذلك الموقف الخطير ، 


وقد تمّ لمعاوية احتواء حركة اعتصام زياد بفارس، ولم يستعجل في الأمر، وابتعد عن استخدام القوة، وأعطى للزمن فرصته، واستعان بداهية من دهاة العرب في اقناع زياد وهذا من حكمته  رضي الله عنه.


🔹 ️حول استلحاق معاوية زياد بن أبيه بنسبه


قال الطبري في عام 44هـ: في هذه السنة استلحق معاوية نسب زياد بن سمية بأبيه أبي سفيان فيما قيل ، 


وقال الطبري:  ... زعموا أن رجلاً من عبد القيس كان مع زياد لما وفد على معاوية فقال لزياد: إن لابن عامر عندي يداً، فإن أذنت لي أتيته، قال: على أن تحدثني ما يجري بينك وبينه، قال: نعم، فإذن له فأتاه، فقال له ابن عامر: هيه هيه أو ابن سمية يقبح آثاري، ويعرض بعمالي، لقد هممت أن آتي بقسامه  من قريش يحلفون أن أبا سفيان لم ير سمية،


 قال: فلما رجع سأله زياد، فأبى أن يخبره، فلم يدعه حتى أخبره فأخبر ذلك زياد معاوية، فقال معاوية لحاجبه: إذا جاء ابن عامر فاضرب وجه دابته عن أقصى الأبواب، ففعل ذلك به، فأتى ابن عامر يزيداً، فشكا إليه ذلك، فقال له: هل ذكرت زياداً؟ قال: نعم، 


فركب معه يزيد حتى أدخله، فلما نظر إليه معاوية قام فدخل، فقال يزيد لابن عامر: أجلس فكم عسى أن تقعد في البيت عن مجلسه فلما أطال خرج معاوية، وفي يده قضيب يضرب به الأبواب، ويتمثل:

 لنا سياق  ولكم سياق

                    قد علمت ذلكم الرفاق 


ثم قعد فقال : يا ابن عامر، أنت القائل في زياد ما قلت: أما والله لقد علمت العرب أني كنت أعزها في الجاهلية، وإن الإسلام لم يزدني إلا عزاً، وإني لم أتكثر بزياد من قلة، ولم أتعزز به من ذلة، ولكن عرفت حقاً له فوضعته موضعه ، 


👌 وقد اتهم معاوية رضي الله عنه عندما استلحق زياد بن أبيه إلى أبيه بأنه خالف أحكام الإسلام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر . 


وقد ردّ على هذا الاتهام الدكتور خالد الغيث في رسالته مرويات خلافة معاوية بقوله  : .. 

أما اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد، فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك، هذا فضلاً عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه، وعدالته ودينه وفقهه تمنعه من أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما وأن معاوية أحد رواة حديث: الولد للفراش وللعاهر الحجر . 


ووجه التهمة إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان واستدل برواية أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أبي عثمان  قال: 

لما إدعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام. 


فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .


 قال النووي رحمه الله معلقاً على هذا الخبر:... 

فمعنى هذا الكلام الإنكار على أبي بكرة، وذلك أن زياداً هذا المذكور هو المعروف بزياد بن أبي سفيان، ويقال فيه: زياد بن أبيه، ويقال: زياد بن أمه، وهو أخو أبي بكرة لأمه... 


فلهذا قال ابو عثمان لأبي بكرة: ما هذا الذي صنعتم؟ وكان أبو بكرة رضي الله عنه ممن أنكر ذلك وهجر بسببه زياداً وحلف أن لا يكلمه أبداً، ....


ولعل أبا عثمان لم يبلغه إنكار أبي بكرة حيث قال هذا الكلام، أو يكون مراده بقوله ما هذا الذي صنعتم؟ أي هذا الذي جرى من أخيك ما أقبحه وأعظم عقوبته فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على فاعله الجنة .


 وبذلك يكون زيادا هو المدِّعي، وفي حقيقة الأمر فإن مسألة استلحاق معاوية زياد هي مسألة اجتهادية ويذهب الكثير من المؤرخين بأن هناك دلائل عديدة تثبت أن أبا سفيان قد باشر سمية ـ جارية الحارث بن كلدة الثقفي ـ وكانت من البغايا ذوات الرايات ـ في الجاهلية ، فعلقت منه بزياد ، 


وذكروا بأن أبا سفيان اعترف بنفسه بذلك أمام علي بن طالب رضي الله عنه وآخرين بعدما شب ونبغ في عهد عمر بن الخطاب ، وقال ابن تيمية بأن أبا سفيان كان يقول زياد من نطفته ، فلما كانت خلافة معاوية شهد لزياد بذلك النسب أبو مريم السلولي وهو صحابي كان يعمل في الجاهلية خماراً بالطائف، وهو الذي جمع بين أبي سفيان وسمية، وكان ذلك أمراً مألوفاً آنذاك ،


 ويبدو أن هذا النسب قد شاع أمره حتى لقد شهد بذلك أحد رجال البصرة لزياد قبل استلحاق معاوية أياه ، فهي دعوة قديمة إذن ولم تكن كما يزعم الرواة نتيجة مشورة المغيرة بن شعبة على معاوية كجزء من صفقة متبادلة بين معاوية وزياد أو غير ذلك من التفاصيل التي اخترعها الرواة . 


وبعد عقود من السنين نجد الإمام مالك بن أنس ـ إمام أهل المدينة ـ يذكر زياداً في كتابه الموطأ بأنه زياد بن أبي سفيان، ولم يقل زياد بن أبيه، وذلك في عصر بني العباس ، والدولة لهم والحكم بأيديهم فما غيروا عليه، ولا أنكروا ذلك منه، لفضل علومهم ومعرفتهم بأن مسألة زياد قد اختلف الناس فيها، فمنهم من جوزها، ومنهم من منعها، فلم يكن لاعتراضهم عليها سبيل ، 


وفي نسبة الإمام مالك زيادا إلى أبي سفيان فقه بديع لم يفطن له أحد ، وهو أنها لما كانت مسألة خلاف ونقد الحكم فيها بأحد الوجهين لم يكن لها رجوع فإن حكم القاضي في مسائل الخلاف بأحد القولين يمضيها ويرفع الخلاف فيها والله أعلم .


 وأما تعارض هذا الاستلحاق مع نص الحديث الشريف، فمن اعتذر لمعاوية قال: إنما استلحق معاوية زياداً لأن أنكحة الجاهلية كانت أنواعاً ، وكان منها أن الجماعة يجامعون البغي، فإذا حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه، فلمّا جاء الإسلام حرّم هذا النكاح، إلا أنّه أقر كل ولد كان يُنسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرّق بين شيء منها، 


فتوهم معاوية أنّ ذلك جائز له ولم يفرّق بين استلحاق في الجاهلية، والإسلام  وأجاز الإمام مالك أن يستلحق الأخ أخا له ويقول: هو ابن أبي، ما دام ليس له منازع في ذلك النسب. 


فالحارث بن كلدة (الذي كانت سمية جارية له) لم ينازع زياداً ، ولا كان إليه منسوباً ، وإنما كان ابن أمة بغي ولد على فراشه ـ أي في داره ـ فكل من ادعاه فهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل الحق على مذهب مالك، 


فإن قيل: فلم أنكر عليه الصحابة؟ قلنا: لأنها مسألة اجتهاد ....................... والحوادث تثبت أن معاوية كان مقتنعاً بحق زياد في ذلك، ولابد أنه كان قد سمع من أبيه 


👌ولهذا فإن معاوية كان مؤمناً بأن عمله لم يكن عملاً موضوعياً وواجباً ضرورياً من باب وضع الشيء في محله، ولا ريب أن هذا كان معروفاً عند الناس غير أن معاوية أراد أن يثبته .

--------------------------------------------------------------------

الهامش لاحقا أن شاء الله 

☆ الدولة الأموية د.علي الصلابي ج1  و مصادر أخرى 

--------------------------------------------------------------------

#الدولة_الأموية_جواهر  [28]

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More